كان عبور
إنتر للدور النهائي لبطولة دوري أبطال أوروبا بعد 44 عام ليس إنجاز فحسب
سطرته كتيبة عمل موراتي ومورينيو وفتحت من جديد باب الضوء التي كان موصداً
لعدة عقود ليتسرب إلى صدور المحبين ويغزل ألحان البهجة التي سرقها
البرتغالي مورينيو من الإمبراطورية الكاتالونيه، ليس هناك ما يجعلنا نخفي
خبر كسر كتيبة النيراتزوري كل القواعد والأساطير التي فرضها أسطول بيب
جوارديولا منذ بداية الموسم على المستوى المحلي والأوروبي.

فقد
سمعنا على مدار الموسم ألواناً من الطرب والتغزل بلوحات ميسي الفنية كل
مباراة، تمريرات تشافي التي تدرس..بيكي وألفيس وبقية اللاعبين الذين جعل
الجميع يفتح صفحة التاريخ ويكتب فريق بيب جوارديولا في الصفحة رقم 1 بين
أهم الفرق التي مرت بتاريخ القدم.


ظهرت
الرباعيات والثلاثيات تخلخل دفاعات المنافسين وتجعل كل منافس أو مدرب لا
يقف على قدم حتى تجد القدم الأخرى تتهاوي من الهلع بالكابوس البرشلوني.

لم
يكن يبدو أن هناك أحد قادر أن يغير من الواقع شيء، وفجأة خرج للعالم مشروع
حلم عاني ماسيمو موراتي الرجل الصبور من أجل أن يعلنه للعالم أجمع بصوت
مسموع، ويبدوا أن العمل في صمت كان شعار كل من يعمل تحت إمرة وفي خدمة هذا
الحلم الجميل.

فأخذ الإنتر يزحف بقوة في بعض الأحيان وبرفق
وإستكانة وهدوء في أحيان أخرى، وقع تحت ضغوط محلية تذكره بشكل دائم بعقدة
الفشل الأوروبي وأن عليه أن يضحى بهيبته المحلية في إيطاليا إذا أراد أن
يظهر بوجه مشرف في نخبة البطولات الأوروبية لكن كانت الأفاعي تملك الخبث
اللازم ليكون طموحها ومفاجئتها للعالم أكبر من مجرد الذهاب بعيداً
بالبطولة، بل تحطيم كل أساطير الموسم الكروي في الرمق الاخير من الموسم.

تم
ذلك بثلاثية في الجوزيبي مياتزا- كما يحب أن يطلق عشاق الإنتر على الملعب
تخليداً لذكري أسطورة الإنتر- ثم بأن يجعل السحر ينقلب الساحر في الكامب
نو.

كان العتاد الكاتالوني لمباراة 28 أبريل خلفه فكرة قطع كل
محاولة لكشف وجود قوى كروية أخرى بالعالم وتعامل محفوف بالمبالغات وصلت
لتعبيرات حربية من قبل لاعبيه أشرنا لها من قبل وحذرنا منها خاصة أن هناك
قوى كروية جديدة تظهر دائماً بكرة القدم ويجب الحذر منها والتعامل معها
بتواضع وهدوء لكن لم يحدث ذلك من قبل أبناء كاتالونيا.، تلك القوى الكروية
التي أستندت على الواقعية والتفاني والإيمان الكامل بالفكر الإيطالي
القديم.

فتح مورينيو كتاب التاريخ الكروي ودرسه جيداً فوجد أن
إيطاليا تملك مدرسة كروية عتيقة قادرة على التكيف مع كل تطور وكما أن لدى
برشلونة ومحبيه مدرسة يتفاخرون بها فلدى الطليان إرث مدهش من الأفكار
والمباديء والوصايا الكروية.

لقن الداهية البرتغالي عناصر فريقه
دروس أجداد الأرض التي يلعبون بها - رغم عدم وجود أي لاعب إيطالي بفريق
النيراتزوري- لكنهم أصبحوا كأحد أبناء البلد فعندما نجد زانيتي وصامويل
وكامبياسو وكيفو وميليتو وجوليو سيزار ومن يوجد على دكة البدلاء من
اللاعبين الذي تشكل شخصهم الكروي فقط في إيطاليا ونهلوا من خطط مدربيها
وتجاربهم، حتي أصبحوا أجساد لاتينية أوروبية بعقول إيطالية كروية خالصة.

أثبتت
مباراة الذهاب والعودة أن كرة القدم لا تعرف قاعدة 1+1=2، فلا معنى
للسيطرة على الكرة وتناقلها أنك الأفضل وأنك تملك الكرة فتملك التفوق..كرة
القدم أصبحت علم لا يعتد ولا يهتم بأمر الأرقام المرسلة ولا الكلام العائم.

لقد
تأثر برشلونة بنتيجة مباراة الذهاب إلى درجة " الصدمة" وواجه فريق عاد مرة
أخرى لأصول أجداده بكرة القدم ولديهم مدير فني يملك ما يجعله أن يرسل
الوحي لكل لاعبيه ليتسلحوا بشخصية واثقة مصممة، وقادرة على تحمل كل الظروف.

واجهوا
خصم يملك لاعبين هم الأفضل في أوروبا لكنهم كانوا الأفضل بكل المقاييس في
الثقافة النفسية والتكتيكية على أرضية الملعب..فعندما تلعب لأكثر من 60
دقيقة بالكامب نو وأنت بعشرة لاعبين فقط وتجد ميليتو يلعب كشبه ظهير أيمن
وايتو كشبه ظهير أيسر ..وكامبياسو جاهز بالدفاع والهجوم وكذلك شنايدر،
فأنت تملك لاعبين استحقوا الذهاب لمدريد لانهم فعلوا كل شيء ممكن وغير
ممكن وحطموا قواعد الكرة ومراكز اللعب من أجل هدف واحد وهو الفريق.

تخلى
الكاميروني إيتو الذي كان يحطم الأرقام التهديفية عندما كان يلعب كرأس
حربة في برشلونة عن مركزه وأصبح يلعب لخدمة" ميليتو"، وتخلى كامبياسو
وموتا وستانكوفيتش ومونتاري عن "الشو" والبهرجة الإعلامية من أجل أن يقوم
شنايدر بواجباته الهجومية بكل أريحية وهو ما لم يتوفر له في ريال مدريد.

ثابر
مورينيو وتحمل الانتقادات طوال الموسم والترصد الإعلامي الإيطالي له من
أجل ثقة موراتي والمشجعين به، وظمأهم الطويل لشربة ماء من حلم التتويج
المقدس.

عندما تجد هذا التفاني والتضحية بكل مجد وإسم من أجل
"المجموعة"، بينما تجد في اندية أخرى تلعب من أجل اللاعب الواحد الحاسم
فأنت أمام فريق جماعي من الفئة الأولى.

بغض النظر عن تأهل الإنتر
للنهائي على حساب برشلونة فإنني أظن أن من عليه أن يبتهج هم محبي ورائدي
كرة القدم الإيطالية الكلاسيكية التي تخلى عنها الطليان ولعبوا بخطط
مفتوحة وتنصلوا من جلبابهم القديم، ثم جاء رجل برتغالي ليعيد اليهم
الجلباب مرصع بالذهب.

.ستكون مباراة النهائي هي الرحلة الاخيرة
لرجال جوزيه مورينيو ليرموا بالسم القاتل في وجه الكابوس الأوروبي ويكسروا
كل التماثيل العتيقة التي تسبب بها ما عانته الكرة الإيطالية منذ سنوات
بسبب فضيحة الكالتشيو بولي

وللمحايدين أعتقد أنهم الأكثر راحة
واستمتاعاً بالأمر كله فقد وجدوا فنوناً مختلفة من التحدي، وألوان مبهجة
بالمدرجات، انفعالات وردوس إنسانية عبر لعبة كرة قدم بسيطة، مدارس كروية
مختلفة خلال هذا الموسم الكروي بدوري الأبطال..وفي الأخير الكاسب الحقيقي
من هذا المحفل الإنساني المنوع من الألوان والأجناس هي كرة القدم التي
أكدت لنا بدرس جديد في جامعتها أن كرة القدم لم تكن يوم مجرد كرة تركل
وأجساد يتصبب منها العرق وحناجر تصرخ، بل هي علم وصناعة وإدارة تناظر
بالوقت الحالي ولا تقل عن علوم الإنسان عبر القرون المختلفة ومنظماته
وأحزابه الفكرية بضروب من التوجه..فهو علم إنساني خلقي بحت يؤثر بالصحة
والنفس.. وفي الأخير بالأخلاق، نبارك للمدرستين الإيطالية والألمانية
اللذين قدما من عالم النسيان إلى الواجهة وأكدا أن لكل مجتهد نصيب.

أما
محبي العروض الفنية الكروية السلسة الخالية من التعقيد، فالأكيد يا أعزائي
أن كرة القدم هي كالحياة تعطيك اليوم وتعطي لأخيك غداً.