فهو يحوي جميع ما في التراب من صفات الشدة في الحجر والسهولة والليونة والانبساط في السهول والهضاب ..
بل وربما حمل صفات مواد الأرض من معادن وفلزات وغيرها..
وهذا يفسر التباين الشديد بين البشر في الصفات والطبائع والألوان رغم كونهم من أصل واحد..
وأيضاً يكتسبون صفات إضافية من بيئاتهم ومناطقهم التي يعيشون بها ..
وحين خلقهم من ذكر وأنثى ... أبان بين الجنسين وجمع في الصفات..
فجعل بينهم من القواسم المشتركة ما يقرب بينهم ويؤلف ..
وجعل في كل جنس صفات ليست في الآخر وهو في أمس الحاجة إليها ..
فيكون كل جنس مكمل للآخر ومتمم ..
ثم نفخ فيه من روحه إكراماً لهذا التراب وسمواً به..
فالنفس تشرق وتسمو بقدر علوها عن التراب الجسدي ..
فالإنسان مكون من جسد ترابي ونفس روحانية ..والدين أتى بالموازنة بين حاجات الجسد والروح ..فإن طغت إحداهما على الأخرى انحرفت الفطرة ..
فمن غلّب الجانب الروحاني على الجسدي بدرجة كبيرة ففيه شيء من
رهبانية مخالفة للسنن الإلهية والهدي النبوي..
ومن غلب الجانب الجسدي الترابي غلبت رغباته الجسدية الحاجات الروحية مما يضعف الجانب العبودي لديه ..
وكلاهما ظالمين وعن الحق حائدين..
وهذا الجانب ( الأخير ) هو الغالب على أهل هذا الزمان..
عذراً قد أكون أسهبت في المقدمة .. ولكني أردت أن تكون الصورة واضحة أمامكم..
ندخل الآن إلى موضوعنا الذي أريد أن أدلف إليه...
إنها كلمة لطالما أعيدت و كررت ..
شن عليها البعض حرباً شعواء بسبب مفهوم مغلوط لبَّس عليهم معناها الجميل ...
وناضل أقوام واستماتوا في الدفاع عنها بما غشيها من تحريف وتضليل...
وقليل هم الذين حازوها نقية صافية وحافظوا عليها من التلبيس والتحريف..
أتعلمون ما هي ؟؟؟
إنها,,’’,,.. الحــــــبــــ ــــــ&..,,’’,,
الحب الذي تهفو إليه نفوس البشر على الإطلاق ..
نعم على الإطلاق بلا استثناء..
فو الله إنه لا يوجد نفس بشرية لا يأسرها الحب ..ولا ترنو إليه..
فما من عاقل إلا وتسمو نفسه إلى ذلك الشعور الذي يجعل النفس حتى وإن كانت صحراوية الأحاسيس تزهر بالورود الجميلة..
بل أن الصحراء حين يأتيها الغيث تموج بزهور ورياحين قل أن ترى في غيرها من البقاع ...
فالحب هو الماء الذي نروي به أرض قلوبنا لتزهر ..
وهو ضرورة وأجدها الرحمن في القلب لا يستقر حاله إلا بوجودها..
بنوعيه...
حب روحاني .. وهو الذي لله سبحانه وفيه...
وحب جسدي ترابي.. ويدخل فيه حب الزوج والوالد والولد.. بتشعباته ودرجاته..
وهو نوعين ..(كلاهما الروحي والجسدي)
حب مكتسب : يوجد بسبب الإحسان وصنائع المعروف..( فالقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها )
فالخلق جميعاً يحبون الخالق لأنه محسن إليهم أيما إحسان.. يستوي في هذا الحب مسلمهم وكافرهم..
وكذلك يحبون من أحسن إليهم من البشر بغض النظر عن أشكالهم وقرابتهم ..وهو حب( الإحسان)
وحب هبة ورزق وعطية :.. يعطيه الله من شاء من خلقه لحكمة ويمنعه من شاء لحكمة أيضا ولا بد أن نعرف أن الله سبحانه لا يظلم أحداً وأقداره جميعاً عادلة وفي غاية الحكمة والعدل..
فمن منعه الله الحب الجسدي الترابي .. وإن شعر بألم لهذا المنع وأحتسبه عند الله .. ولكن عنده أمل أن يعيشه في الآخرة ..
ولكن ليت شعري ما هو حال من حرم الحب الروحاني الذي يوصله لحب الرحمن المنان.. وينجيه من النيران..
ويجعله من الخالدين في الجنان...
( حب الخالق سبحانه)
يقول ابن القيم رحمه الله :
أما والذي شق القلوب وأودع .... المحــبة فيهــا حيث لا تتصرم
وحمّلهــا قــلب المحــب وإنــه .... ليعجز عن حمل القميص ويألم
وذلّلها حتى استكانت لصـولة ... المحبـــة لا تــلوى ولا تتلعـــثم
فكلامه رحمه الله عن الحب في هذه الأبيات يشمل النوعين..
والموفق السعيد من رزق الحبين وجمع له الرحمن بين سعادة الدنيا والآخرة..
ولكن في حال المؤمن إذا تعارض النوعين فلابد أن تكون الغلبة للحب الروحاني ( حب الله ونبيه وشرعه)
فالروح علوية لابد أن تسمو على الجسد الترابي الطيني
جعلني الله وإياكم ممن غلب حبه لربه كل حب..
نأتي الآن للحب الجسدي الطيني ..
فالجسد لابد له من حب الجسد .. والطين لابد له من حب الطين..
سأبدأ بالعلاقة بين الجنسين والتى أحتكر الحب لها ..
فلا يدندن به إلا حولها..
قلنا بأن الله خلق البشر من جنسين بينهما شيء من صفات مشتركة وكثير من الاختلاف.. وأوجد ميلاً من كليهما للآخر لغاية عظيمة وحكمة بالغة .. منها أنس ابن آدم وطمأنينته في الحياة الدنيا .. وعمارتها بالنسل والتكاثر...
ولولاها لما حن ذكر لأنثى ..
أعني هنا العاطفة والمشاعر الجنسية ..
ثم يأتي عبيد الشهوة ليصوروا الحب على أنه هذه الجزيئية البسيطة ..
وهو أعظم وأكبر من ذلك..
لنأتي للمسألة من الوجهة الشرعية الفطرية ..
ثم نقيس عليها الشواذ مما سواها..
حين يصل الإنسان لسن البلوغ يجد في نفسه ميلاً للجنس الآخر وضرورة للارتباط به ..
فهنا حث الشارع على المسارعة لتلبية هذه الرغبة لتسكن النفس وتطمئن...(...ليسكن إليها...)
وشرع طريقاً واحداً وهو الزواج ...
وأمر بتيسيره وتسهيله والمسارعة إليه ..( يا معشر الشباب : من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج.من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء(
لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم طرقاً أخرى لتفريغ هذه العاطفة إلا هاتين الطريقتين ..
الزواج و الصيام ..
وذكر الصيام حكمة عظيمة لأن الإنسان في حال صومه يكون أبعد عن الدنيا وأقرب من ربه..
وأيضاً الصيام فيه تضييق لمجاري الشيطان في ابن آدم حيث يجري منه مجرى الدم ..
ومعروف أن الإنسان أثناء صومه ينخفض ضغط دمه ومروره في الأوردة والشرايين ...
إذاً حديثي سيكون بعنوان..
الحب والزواج..
حين يريد الشاب خطبة شابة ما .. لابد وأنه يطمح من وراء هذا الزواج في :
استقرار وسكن وحب ورحمة وتآلف وفوق ذلك ذرية صالحة.. وفي سبيل ذلك تهون عليه الصعاب ويرخص كل غالي ..
وكذلك الحال بالنسبة للفتاة ..
قد يختلف الحال بين فئة وأخرى وشخص وآخر ..
فالناس يتباينون في صفاتهم وطبائعهم ومطالبهم ..
ولكن من هذه الناحية يكادون يلتقون جميعاً أعني العواطف والأحاسيس
وإن كانوا ليسوا بدرجة واحدة..
فهناك العقلاني .الذي يزن الأمور بالعقل والتجربة..
والعاطفي المغرق في العاطفية الحالمة..
ومن بينهما ..
ولكن جميعهم بلا استثناء تأسرهم العواطف ويجذبهم الحب..
من أجل ذلك استغل أعداؤنا هذا الانجذاب وذلك الأسر لتسويق الرذيلة بين أبنائنا وبناتنا في.الإعلام ..
فأتت مقولة : لا زواج قبل الحب..أو الحب قبل الزواج..
واستعانوا بتزيين إبليس نعوذ بالله منه لهذا الحب ..
فارتحل فتيات ونساء منا وعلى ديننا وتربين في مجتمعاتنا ليفتن الرجال فيضللن ويغوين بلباس فاضح..
وعباءة تحتاج إلى حجاب .. وبالخضوع بالقول والفعل ..
وارتحل شباباً منا تربوا بيننا وعلى ديننا ليغروا فتياتنا ويوقعوا بهن في أتون الرذيلة والفضيحة في الدنيا .. والعذاب والخزي في الآخرة..
وكل ذلك بدعوى الحـــــــــــــــــــــب...
عن أي حب يتحدثون وبأي حب يحلمون ..
رسالة .. لك أيها الشاب:
اعلم أنك لن تفكر بالزواج بمن جاهدت لتقيم معها علاقة ولو بالكلام .. حتى ولو أحببتها كما يقولون ..
حدثني أحد أقاربي بأنه رأى صديقاً له يبكي من فرط حبه لفتاة له علاقة بها عرف أن والدها سيزوجها ..
فقال له :
ولماذا لا تتقدم لخطبتها إن كنت تحبها لهذه الدرجة ..
فقال : أحبها نعم وكأني مقتول لو تزوجت .. ولكن زوجة... لالالالالا ..
حبيبة فقط ..
يعني للتسلية فقط...
أقول لك اتق الله وأعلم أن ما تعمله بأعراض المسلمين سيصيبك في عرضك ولو بعد حين...
وأنت أيتها الدرة المصونة بدينها وعفافها ..
إياك أن تثقي بذئب يلقي إليكِ معسول القول وجميل العبارات ليوقعك بفخه .. ثم تقولين: سيتزوجني. وعدني بذلك..
إليك هذه القصة ..
أحدهم له قريبة تسكن في منطقة أخرى غير منطقة سكنه..
ويأتون إليهم في المناسبات والأعياد..
رآها خلسة فأعجب بها .. وحض إحدى أخواته أن تجعله ينفرد بها ..
وحصل ذلك عدة مرات ..
يقول :
كانت من الحياء لا تستطيع أن تنظر في وجهي ..( ولكن لتزيين الشيطان لم توقفه عند حده.)
وشيئاً فشيئاً أصبحنا ننفرد ببعضنا عندما يأتون إلينا أو نأتي إليهم لعدة دقائق ..
ولم تزد لقاءاتنا على نظرات وكلمات من قبلي .. بل ولم ألمسها إلا مرة واحدة أمسكت بيدها فقط..
أصبحت أحبها بجنون ..وهي كذلك..
وتقدمت لأبيها خاطباً فوافق .. ولكن ..
أصبحت قلقاً جداً وتنتابني شكوك فيها .. ويسيطر علي كونها كما خانت أهلها وكانت تلتقي بي ..
فقد تخونني مع غيري فلست أكرم عليها من أهلها ..
فكيف أثق بمن خانت أهلها ..
وهكذا .. حتى تركها ...بعدما حطمها ..
وهو قد يجد من تنسيه حبها ..
ولكن هي هل ستنساه أم ستسطر الأشعار والخواطر في حبٍ لم تعشه ولم تنعم به..
وأتحدى أن تكون قصة حب كانت في حرام تدوم و ينعم بها أصحابها..
فأنى لعاطفة يؤججها الشيطان ويسعر نارها أن تبقى ..
فالله سبحانه سماه الغرور..
فما ينسجه من حب ما هو إلا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ...
فالحب الذي يدّعونه قبل الزواج ..
هو في الحقيقة طوفان هائج وبحر مائج .. لا تستقر عليه سفينة الزوجية إلا في ما ندر ..
بعكس .. حب الزواج الصافي من الشوائب ..
الذي أقرب تشبيه له الينبوع المتدفق ..
يروي الأرض فتنبت العشب والزهور والرياحين ..
تلتقي ينابيعه مكونة مجرى هادئاً يبحر بزورق الزوجية في هدوء وسكينة .. وعلى حافته ما يبهج القلب ويسر العين ..
وقد يستمر ذلك الإبحار لتلك الديار التي لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا طر على قلب بشر...
ومن أراد أن يستمتع بعذوبة هذا الحب فلا يغامر قبله بتجارب حب شيطاني ..
فكلما كان القلب خالياً أحب بصفاء ونقاء..وتمكن الحب منه..
مما يجلب مزيداً من السعادة والهناء..
ألم يقل الشاعر:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ***** فصادف قلباً خالياً فتمكنا
وقال الآخر :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى.....ما الحــــب إلا للحـبـــيــب الأول
حين يريد الرجل خطبة فتاة ما ..
رغّب الشارع في النظر إلى ما يدعوه لنكاحها .. وبالذات إن عرف في عائلتها عيباً..
لقول النبي صلى الله عليه في الحديث الوارد:
( أنظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) قيل زرقة وقيل صغر..
ويجوز له أن ينظر إليها من دون علمها إن استطاع .. بشرط أن يغلب على ظنه قبولها له..
ويحل له أن ينظر إلى ما يدعوه لنكاحها مما يظهر عادة في البيت.. وليس صحيحاً أنه لا يحل له إلا الوجه والكفين..
كل ذلك من أجل بذر بذور المحبة..
فهي في الحقيقة جس نبض للقلب لمعرفة ردة فعله تجاه الطرف الآخر ...(النظرة الشرعية)
فقد يزرع الله المحبة بينهما بمجرد النظرة..
وقد يتأخر الحب فلا يأتي إلا بالمعاشرة والتعايش...
وقد يكون شديداً وجارفاً ويخبو مع الزمن .. وأغلب حالات هذا النوع حين يتميز المحبوب بصفات ظاهرة مميزة ..
ولكن مع العشرة يتعود الشخص على تلك الصفات .. ولا يجد فيه صفات متجددة تحيي جذوة هذه المحبة ..
وأقرب تشبيهاً لهذا النوع إشعال النار في أعواد رقيقة هشة فتشتعل النار فيها بسرعة هائلة وقوة ...
لكن لا تلبث أن تخبو وبنفس السرعة التي اشتعلت بها..
أما المحبة الكاملة العميقة فهي التي تزيد مع طول العشرة..
وأكبر مثال لهذا الحب .. هو حب النبي صلى الله عليه وسلم ..للسيدة خديجة رضي الله عنها..
فلقد أحبها النبي صلى الله عليه وسلم ..لما تحمله من صفات العقل والحكمة والرقة والحنان..
فهي رضي الله عنها عرفت كيف تحتويه وتعوضه ما حرم منه من حنان الأمومة .. بسبب يتمه ..
وتواسيه في ما يصيبه ويحل به من وصب ونصب..
فأحبها حباً عظيماً رغم الفارق العمري بينهما..
حتى قال لعائشة حبيبته رضي الله عنها : ( لقد رزقت حبها..) يعني خديجة..
وكذلك حبه لعائشة رضي الله عنها ..فهو قد أحبها لصفات متجددة فيها كالذكاء والفطنة والفقه وليس لشكلها الظاهري فقط ..
فقد روي أن صفية رضي الله عنها كانت أجمل نساء النبي صلى الله عليه وسلم..
وكلما أخلص الإنسان لشريكه وتقرب إلى الله تعالى بإدخال السرور والسعادة لقلبه ..
أعطاه الله منهما ضعف ما أدخله على شريكه سيما مع الدعاء..
كـــ:
(ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين..)
(اللهم أملأ قلبي بمحبته ,وعيني إعجاباً به , ونفسي سروراً بلقائه, وهو كذلك.)
وسوف أذكر لكم قصة واقعية
تقول ناصحة ..
ينبغي للمؤمنة ألا تيأس من رحمة الله تعالى إذا لم يعطها الله ما تتمنى من الصفات في زوجها ... ولنترك لها الحديث لتحدثنا بتجربتها..
تقول :
تزوجت برجل تربطني به نوع قرابة وقد عرف عنه الشدة والغلظة والجفاء .. مع التزامه الظاهر ..
كنت حينها في السادسة عشرة من العمر ولكن بحمد الله بعقل وعلم الكبيرة الناضجة ..
وكان هو في الرابعة والعشرين..
كنت أسمع قريناتي يتهامسن الله يعينها بتعيش معه هو وأهله بعد ..
وكان أهله معروفين بالبخل وعدم التواصل العاطفي مع أقاربهم ..
لم يكن لي خيار فأنا أخجل من والدي .. ووالدي أهم أمر عنده كونه ملتزماً...
دخلت عليه وقد خصص لي سكناً فوق والدته (ملحق)..
فوجئت ليلة الدخول بتواضع الأثاث ..(نفس أثاث أمه تقريباً )
مع كونهم على مستوى من الثراء لا بأس به..
كنت مميزة جداً لا يكاد يماثلني أحد من أقاربي ومعارفي في كل شيء تقريباً..
ذكاء وفطنة وثقافة وجمالاً..
منعني من إكمال تعليمي .. وقال هذه الكتب إن أردت أن تتعلمي .. أما دراسة وعمل فلا ..
وكانت لديه كتب لا بأس بها .. وزدت عليها مع مرور الوقت..
عكفت فترة تفرغي على الكتب والقراءة .. وكانت هوايتي المفضلة..
نسيت الدراسة وأقنعت نفسي أن هذه حياتي ولا بد أن أنجح فيها..
كنت رقيقة العاطفة لا أجرح أحداً رومانسية إلى أبعد حد .. بعكسه تماماً..
الدباشة والرعن مركب..
ولكنني رحمته حقيقة فلم يكن في عائلته مكان للعواطف أو حتى الاحترام أو الخصوصية ..
يتدخلون في شؤون بعضهم وفي كل صغيرة وكبيرة .. على عكس ما تربيت عليه تماماً..
لدرجة أني لم أخرج السنة الأولى بمفردي معه إلا لأهلي لزيارتهم ..
واكتشفت أن هذا كله ردة فعل .
لزواج أخيه الأكبر من امرأة سيطرت عليه تماماً فلا يخرج ولا يدخل إلا برضاها..
عاملته معاملة راقية جداً كما تعامل الحبيبة حبيبها مع أني لم أكن أحببته بعد بسبب حاله وما كان عليه..
وعاملت أهله كما أحب أن يعامل أهلي .. أحبني أبوه لخدمتي له وطاعتي ..
كنت إذا اشتريت لي ملابس أعرضها عليهم ..
وكانت له أخت في مثل سني ..فكنت أخيرها بين ما اشتريت ..فتختار أحسنه بلا حياء ولا حرج ..
أما أنا فقد كنت والله في غاية السعادة ..ليس اختيارا مني ولكن فضلاً من الله أسبغه علي رغم صغر سني ...
أصبحت قريبة شيئاً ما لأخواته وأمه ولكن ليس حباً لأنهم لا يعرفونه ولا يحسنونه..
قد تعجبون أني لم أكن أظهر لأهلي أي شيء عن سلوكهم ومعائبهم..
خوفاً من سقوطه من أعينهم ..
فقد كنت شديدة الحرص على ألا يعاب شيء يخصني ولا يظهر عيبه..
وهذا أيضاً رحمة من الله بي ..
فالزوج والزوجة ينسيان ما حصل بينهما بمجرد الاتفاق بعكس الأهل..
وكان يكثر علي من قوله .. سأتزوج بأربع فالرجل هو من يعدد أما الضعيف فيبقى على واحدة ..
ربما ليغيظني ..
وكذلك أهله .. حملت بحملي الأول وتعبت كثيراً في فترة الوحم .. ولكن لم أر منه حناناً أو عطفا ً ..
حتى إذا قال قولاً حنوناً أشعر في قرارة نفسي أنه تصنعاً..
استمريت أعامله بأفضل طريقة ممكن تعامل بها زوجة محبة لزوجها .. وأدعو الله
حتى أعطاني الله ما طلبته وحصل ما كنت أتمناه..
شيئاً فشيئاً بدأت ألمس تغيراً واضحاً فيه..
بدأ يشعر بخطئه وخطأ طريقته التي كان يسير عليها ويعزو ذلك لتنشئته الأسرية .. وجفافها العاطفي ..
حتى حظيت عنده بدرجة لم أكن أحلم بها أو تخطر لي على بال ..
وأصبحت قرة عين له بحق ..ما يشعرني به..
بلغ حبه لي درجة لا يمكن أن أصفها ..
حتى إني الآن أشعر بحرج شديد من أولادي بسبب نظراته وكلماته التي تفيض حباً وجوى ..
لم يعد يسافر بمفره كما كان سابقاً ( كان سفره للدعوة والسفر المباح فقط)..
بل يصر على أن أكون معه ..
حتى إنه في آخر سفرياته السابقة لم يستطع أن يبقى المدة التي كان مفروضاً أن يقضيها ..
بل قطعها ورجع ..
وحين عاد قال لي:
شعرت أني فارقت أنسي وبهجتي بمجرد سفري ..
والله أني لم أهنأ بأكل ولا نوم ولا طبيعة ..
كنت إذا أكلت تمنيتك معي ..
وإذا رأيت منظراً جميلاً حزنت ألا تشاركيني تلك المتعة ..
وإذا جاء الليل هزني الشوق إليك .. أتذكركم في كل لحظة . .لم تغيبوا عن بالي دقيقة واحدة..
فأيقنت أنه فضل من الله علي وابتلاء لشكري .. وثمرة لدعائي ..
أصبح يفاخر بي بين أهله وأصحابه..
لم يعد يحزنني بترديده: ..(أيقني أني سوف أتزوج أربعاً فوطني نفسك على ذلك)
بل إنها عرضت عليه فأبى وقال :
لن أجرح قلباً أحبني وتحمل عوجي صابراً محتسباً حتى أسكن حبه قلبي الذي ما كان يعرف ما هو الحب..
ثم إني متيقن أني لن أجد مثلها ولو طفت الأرض..
ثم إنه أصبح لا يرد لي طلباً ..
بل والله إني لا أذكر له رغباتي إلا إذا كانت ضرورية خشية أن يكون تبذيراً أو يسخر منه أبناءه ..
تولى بخله إلى غير رجعة ..
أشعر أني إذا تكدرت أو غضبت على أولادي يجحف بهم انتصارا لي ..
مما يدفعني أن أظهر البشر دائماً .. ليأنس ..
بالمختصر المفيد عاشق بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ..
ومع ذلك هي أعظم معين له على دينه والدعوة إليه..
أتدرون بعد كم حصل هذا..؟
بعد أكثر من عشر سنين .. من الجفاف والتصحر ..
الآن لهما أكثر من عشرين سنة زواج ..
وكأنهما في سنتهما الأولى ..
والله أني أشعر حين أراهما بالغبطة ..
وأقول لئن كانت الزوجية هكذا فهي جنة الدنيا ...
لكن الحق يقال إنها تستحق ذلك ..
فمع كونها لديها ثمانية أبناء وقد قاربت الأربعين..
إلا أنها تبدو لمن يراها وكأنها في العشرينات من عمرها ..
لاهتمامها بنفسها وهندامها ..
وفوق ذلك علم وخلق ودعوة ..
فبلغها الرحمن سعادة الدارين ..
وحشرها مع المتقين ..
وألبسها حلل السندس والإستبرق وجعلها على الأرائك من المتكئين..
وأصلح لها بنيها وبناتها وأقر عينها بهم ..
وجعلهم من الشهداء يا رب العالمين..
ووالديها ومن تحب يا رب العالمين..
حين نذكر الحب بين الزوجين فنحن نعني حب الأنس والإخلاص والتضحية والرحمة والاحتواء والرفق..
وليس الحب الذي الأناني الذي يسعى فيه الحبيب لتملك حبيبه..
فالحب لا يعني التملك والعبودية وإلا لكان حب ذلة ومهانة ..
مما ألقي في روعي نتيجة النشأة الأسرية أن المرأة غالباً لا تحصل عليه( الحب) حتى تحتوي الرجل تماماً وتملأ قلبه..
وبالذات في مجتمعاتنا المحافظة..
نصائح :
أولاً ـ الزوج ـ
1-تذكر أنك أولى من المرأة وأعظم قدرة على العطاء.
2-أنك ملكت زمام مخلوق لطيف تؤثر فيه الكلمة الرقيقة واللمسة الحانية والابتسامة العذبة .أعظم من تأثير نقيضها..
3-تذكر أن الأنثى عندنا معشر أبناء الصحراء تعيش غالباً حرماناً عاطفياً ..
بسبب العادات الاجتماعية والتربية الأسرية..وأنها تحلم بأن تجد كلما حرمت منه عند من ستشاركه حياته وهمه وفرحه ...
فلا تكن سبباً في تعاستها وإحباطها..
4-لا يغب عنك وصفها بالقارورة من الرسول صلى الله عليه وسلم..
فلها منها الرقة والصفاء العاطفي والبريق وسهولة الكسر..
5-أغمرها بعطف الأب وحنان الأخ وتذلل الابن .. فسوف تملك زمام قلبها..
6-أشعرها بأنها أعظم كنز ملكته ..فالأنثى يسبيها الثناء..
7-أمتدحها وأثن على ما تقوم به من أعمال ..لتشعرها بقيمتها ..
8-أبذل ما تستطيع لرسم الابتسامة على محياها .. طالباً المثوبة من الله عز وجل..
ثانياً_ للزوجة :
1-تذكري أن الحب الصادق يعني العطاء بغير حدود وعدم تملك الحبيب .. ومحبة من يحب ..فأحبيه وكل ما يحب..
ولا تجعلي الغيرة تفسد ذلك الحب وبالذات من أمه وأهله.. فحبه لك ليس كحبه لأمه...
2-ليكن هدفك من رضاه وراحته ..رضى الرحمن عنك وحبه لكِ فأنت تتقربين له بطاعتكِ لزوجكِ ..
( ما تقرب الي عبدي بأحب مما افترضته عليه..) حديث قدسي ..( طاعتك لزوجكِ فريضة )..
3-تكري أن السعادة والحب فعل انعكاسي ..
( بقدر ما تسعدين من حولكِ تنعكس سعادتهم عليكِ فتشعرين بسعادة غامرة..)
4-حتى يكون حبك صادقاً لا بد من التضحية من أجل ذلك الحب .. وقد تختلف التضحيات ودرجاتها ..
فضحي من أجله بأي شيء مهما غلا لتثبتي له حبك ..
ألم تري أن التي تحب محبة شيطانية تضحي بشرفها وسمعة أهلها من أجل ذلك الحب البائس الخسيس ..
أوليس حبك زوجك أغلى وأعلى..
مــــع الأبنـــاء...
في مملكة صغيرة ترفرف عليها طيور السعد ..وتشقشق فيها عصافير الحب .. ويسودها جو الأنس والوئام..
يولد الطفل الصغير بين حبيبين ..ازداد حبهما بمولده ..وقويت الرابطة بينهما بسببه..
جمع الاثنين في واحد .. يريان نفسيهما في سنحات وجهه .. وعذب ضحكته .. فيغمرانه بما يغمرهما من حب ومودة..
يرضع لبانها منهما .. وتنمو مع الأيام مترافقة مع نموه ..
يريان فيه منة عظيمة من الله عليهما .. وعمراً جديداً لهما وهبا إياه بمولده . .
ومسؤولية ألقيت على عاتقهما..وامتحانا لما يحملانه من قيم ومفاهيم .. بل وتجديداً لروتين حياتهما السابقة..
فينمو وهو يسبح في ينبوع من السعادة ..والحب..
مترافق مع شكر لمن وهبهما هذه النسمة المؤمنة ..
ليغرساها في تربة صالحة .. لتنمو على سوقها .. وتزداد رسوخاً وثباتاً .. بما يسقيانها من ماء الشرع .. وعناية الأخلاق والآداب ..
فتصبح مع الأيام ثابتة راسخة الأصل.. وفروعها سامقة في السماء. .
فكيف ياترى يتم ذلك..؟
وهل للحب دور مهم في تربية الأبناء..
هناك قواعد كثيرة حددها الوحي قد ننتبه إليها وقد لا ننتبه ...
فنحن نعلم أن الناس جميعاً لديهم جملة من الحاجات العضوية كالحاجة إلى الطعام و الشراب و النوم و الراحة و الحاجة الجنسية ،،
ولهم أيضاً جملة من الحاجات النفسية : منها .. الحاجة إلى الحب .
وكِلا النوعين من الحاجات لابد من إشباعها حتى يشعر الفرد منا بالتوازن ..
ذلك أن عدم إشباعها يجعلنا نحس بفقدان التوازن أو اختلالها .
ولكن مع فرق واضح بين الحاجتين..
فعدم إشباع معظم الحاجات العضوية يؤدي إلى الموت ..
في حين إن عدم إشباع الحاجات النفسية لا يؤدي إلى الموت ولكنه يترك أثراً خطيراً على الشخصية ..
يبدو هذا الأثر في سلوك الفرد ومقدار سعادته ، كما يبدو أثناء تعامله مع غيره ..
يقول الدكتور ميسرة في محاضرة له بعنوان التربية بالحب ..
وسائل التربية بالحب أو لغة الحب أو أبجديات الحب هي ثمانية ...
1- كلمة الحب 2- نظرة الحب 3- لقمة الحب
4- لمسة الحب 5- دثار الحب 6- ضمة الحب
7- قبلة الحب 8- بسمة الحب
الأولى : كلمة الحب .
كم كلمة حب نقولها لأبنائنا ( في دراسة تقول أن الفرد إلى أن يصل إلى عمر المراهقة يكون قد سمع مالا يقل عن ستة عشر ألف كلمة سيئة ولكنه لا يسمع إلاّ بضع مئات من الكلمات الحسنة ) .
إن الصور التي يرسمها الطفل في ذهنه عن نفسه هي أحد نتائج الكلام الذي يسمعه ..
وكأن الكلمة هي ريشة رسّام إمّا أن يرسمها بالأسود أو يرسمها بألوان جميلة ..فالكلمات التي نريد أن نقولها لأطفالنا إمّا أن تكون خيّرة وإلاّ فلا .
بعض الآباء يكون كلامه لأبنائه ( حط من القيمة ، تشنيع ، استهزاء بخلقة الله )ونتج عن هذا لدى الأبناء [ انطواء ، عدولنية ، مخاوف ، عدم ثقة بالنفس .
الثانية : نظرة الحب .
اجعل عينيك في عين طفلك مع ابتسامة خفيفة وتمتم بصوت غير مسموع بكلمة ( أحبك يا فلان ) 3 أو 5 أو 10 مرات ،
فإذا وجدت استهجان واستغراب من ابنك وقال ماذا تفعل يا أبي فليكن جوابك { اشتقت لك يا فلان }
فالنظرة بهذه الطريقة لها أثر ونتائج غير عادية ...
الثالثة : لقمة الحب .
لا تتم هذه الوسيلة إلاّ والأسرة مجتمعون على سفرة واحدة [ نصيحة ..
على الأسرة ألاّ يضعوا وجبات الطعام في غرفة التلفاز ]
حتى يحصل بين أفراد الأسرة نوع من التفاعل وتبادل وجهات النظر .
وأثناء تناول الطعام ليحرص الآباء على وضع بعض اللقيمات في أفواه أطفالهم ..
[ مع ملاحظة أن المراهقين ومن هم في سن الخامس والسادس الابتدائي فما فوق سيشعرون أن هذا الأمر غير مقبول]
فإذا أبى الابن أن تضع اللقمة في فمه فلتضعها في ملعقته أو في صحنه أمامه ..
وينبغي أن يضعها وينظر إليه نظرة حب مع ابتسامة وكلمة جميلة وصوت منخفض (ولدي والله اشتهي أن أضع لك هذه اللقمة ، هذا عربون حب يا حبيبي) بعد هذا سيقبلها ..
وقد ورد هذا في هدي النبي صلى الله عليه وسلم : مع أزواجه رضي الله عنهن .. ومع أبناء بناته ..
بل ولأعجب أخذه العرق من يد عائشة رضي الله عنها .
وسؤالها من أين أكلت منه ثم وضعه فمه الشريف في موضع فمها مما يشعرها بعظم بحبه لها..
وقوله : (واللقمة تضعها في في امرأتك لك صدقة..)
وكذلك وضعها في فم والدتك.. وهكذا...
الرابعة : لمسة الحب .
يقول د. ميسرة : أنصح الآباء و الأمهات أن يكثروا من قضايا اللمس . .. ليس من الحكمة إذا أتى الأب ليحدث ابنه أن يكون وهو على كرسيين متقابلين ، يُفضل أن يكون بجانبه وأن تكون يد الأب
على كتف ابنه (اليد اليمنى على الكتف الأيمن) .
ثم ذكر الدكتور طريقة استقبال النبي لمحدثه فيقول :
{ كان النبي صلى الله عليه وسلم يلصق ركبتيه بركبة محدثه وكان يضع يديه على فخذيْ محدثه ويقبل عليه بكله } .
وقد ثبت الآن أن مجرد اللمس يجعل الإحساس بالود وبدفء العلاقة يرتفع إلى أعلى الدرجات ..
فإذا أردتُ أن أحدث ابني أو أنصحه فلا نجلس في مكانين متباعدين ..
لأنه إذا جلستُ في مكان بعيد عنه فإني سأضطر لرفع صوتي [ ورفعة الصوت ستنفره مني ]
وأربتُ على المنطقة التي فوق الركبة مباشرة إذا كان الولد ذكراً أمّا إذا كانت أنثى فأربتُ على كتفها ..
وأمسك يدها بحنان .
ويضع الأب رأس ابنه على كتفه ليحس بالقرب و الأمن والرحمة ،ويقول الأب أنا معك أنا سأغفر لك ما أخطأتَ فيه.
الخامسة : دثار الحب .
ليفعل هذا الأب أو الأم كل ليلة ... إذا نام الابن فتعال إليه أيها الأب وقبله وسيحس هو بك بسبب لحيتك التي داعبت وجهه فإذا فتح عين وأبقى الأخرى مغمضة وقال مثلاً : ( أنت جيت يا بابا ) ؟؟
فقل له ( إيه جيت ياحبيبي ) وغطيه بلحافه .
في هذا المشهد سيكون الابن في مرحلة اللاوعي أي بين اليقظة والمنام .. وسيترسخ هذا المشهد في عقله وعندما يصحو من الغد سيتذكر أن أباه أتاه بالأمس وفعل وفعل .
بهذا الفعل ستقرب المسافة بين الآباء و الأبناء .. يجب أن نكون قريبين منهم بأجسادنا وقلوبنا .
السادسة : ضمة الحب .
يقول د / ميسرة ..
لا تبخلوا على أولادكم بهذه الضمة ..
فالحاجة إلى الضمة كالحاجة إلى الطعام والشراب والهواء كلما أخذتَ منه فستظلُ محتاجاً له .
السابعة : قبلة الحب .
وهذه أيضاً ثابتة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم .. وهديه..
فقد قبّل الرسول عليه الصلاة والسلام أحد سبطيه إمّا الحسن أو الحسين فرآه الأقرع بن حابس فقال :
أتقبلون صبيانكم ؟!!
والله إن لي عشرة من الولد ما قبلتُ واحداً منهم !! فقال له رسول الله أوَ أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك ...
أيها الآباء إن القبلة للابن هي واحد من تعابير الرحمة ..
نعم الرحمة التي ركّز عليها القرآن وجعل الله لها سراً لجذب الناس إلى المعتقد ..( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)
وحينما تُفقد هذه الرحمة من سلوكنا مع أبنائنا فنحن أبعدنا أبناءنا عنا..
سواءً أكنا أفراداً أو دعاة لمعتقد وهو الإسلام .
هذه وسائل الحب من يمارسها يكسب محبة من يتعامل معهم وبعض الآباء و الأمهات إذا نُصحوا بذلك قالوا :
( نحن لم نتعود )..
سبحان الله وهل ما أعتدنا عليه هو قرآن منزل لا نغيره .
وهذه الوسائل هي ماء تنمو به نبتة الحب من داخل القلوب ، فإذا أردنا أن يبرنا أبناءنا فلنبرهم ولنحسن إليهم ..
مع العلم أن الحب ليس التغاضي عن الأخطاء .
ثم إننا في تربيتنا لأبنائنا بالعطاء دون انتظار المردود منهم ..
نعودهم على الحب الصادق .. حب العطاء ألا محدود ..الذي بلا شك سوف ينتج حباً..
فمن أعطى فلا بد له أن يأخذ ومن زرع فلا بد أن يحصد ..فلا يشغلن نفسه إلا بالعطاء ..
أما النتيجة فهي حاصلة وفق السنن الكونية القدرية..
وقد ربانا الله على ذلك في علاقتنا معه سبحانه..
فكل عباد الله يسعى لنيل حبه والفوز به.. فكيف يمكن لنا أن نحضى بذلك الحب العظيم ..
دعونا نقف عند حديث قدسي ،،، يقول الله عز وجل فيه:
{ وما تقرب إلي عبدٌ بأحب إلي مما افترضته عليه و مايزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها } .
في هذا الحديث القدسي عدة قواعد لابد لنا من الوقوف عندها ...
أولاً .. حب الله لأداء عبده للفرائض
ثانياً ..النوافل طريقٌ لتقرب العبد إلى الله ..
ثالثاً ..تقرب العبد إلى الله بالنوافل مدعاة لحب الله للعبد ..
ومن نتائج حب الله للعبد ،، أن العبد يملك عندئذ جملة من وسائل التمييز فلا يرى ولا يسمع إلا ما يرضي الله ولا يمشي ولا يفعل إلا ما يرضي الله ..فقد جعل الله في هذا الحديث قانوناً..
أن ما يقدمه العبد من أداءٍ للنوافل هو الطريق لمحبة الله تباركت أسماؤه ...
بمعنى آخر : أن حب الله وهو الغني عن العباد هو نتيجة لما يقوم به العبد من أداءٍ للنوافل .
ويمكن صياغة هذه القاعدة بالآتي..
[ إن العطاء طريق الحب ] ..
والعطاء يقدمه العبد والحب من الرب .
مع أن الله تبارك وتعالى غنيٌ عن أداء كل العباد لفروضهم ناهيكم عن نوافلهم ..
ولكنها قاعدة أراد الله وهو الأعلم أن يعلمنا إياها وهي:
((أن من يريد أن يكسب الحب فليبدأ هو بالعطاء)) ..
أي فليقدم العطاء ،، عطاءٌ فوق المفروض عليه ،، عطاءٌ يتعدى الواجب أداءه لله ، والنافلة هنا وهي عمل فوق
المفروض كانت سبباً لمحبة الله .
وفي موقع آخر يؤكد رب العالمين على لسان من اقتدروا على الحب الحقيقي أن عطاءهم لوجه الله وليس ابتغاء مردود يحصلون عليه من الناس..
{ إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكُوراً } .
وإذا عدنا إلى علاقة الحب بين الأم وولدها ..
لتبين لنا أن حب الأم وولدها ، لتَبيّن لنا أن حب الأم لولدها ، مثل النوع الأول من الحب..
(الحب الحقيقي)..
الحب الذي لا تبغي الأم من ورائه مردود أو نتيجة ، إنما هو حبٌ مغروس في أصل خلقتها ..
إنه حبٌ فطري جُبلت عليه ولم تتعلمه وإن كان هذا الحب قد يفسد بسبب التربية غير السليمة للأم ..
فيتحول إلى ما يمكن تسميته بحب كشف الحساب ..
ذلك الحب الذي يتمركز حول من يقدمه وليس حول من يُقدم له وهو ما يمكن تسميته :
بالحب النرجسي
إذاً الحب النرجسي هو حبٌ أناني .. حبٌ للذات وليس للآخر ..
حبٌ يعتمد على الأخذ فيحيل صاحبه إلى فردٍ ذو شخصية دوامية تبتلع ما يحيط بها .
إن من كانت شخصيته ذو حبٍ نرجسي فإنه يريد أن يبتلع كل ما حوله ليصب في ذاته .
شخصية من هذا القبيل تحب غيرها ..نعم ، ولكن طالما أن الغير يحقق لها ما تريد ويشبع حاجاتها ورغباتها ..
ويعظمها ويبجلها ويعطيها وحين يتوقف الآخر عن العطاء ولو كان توقفاً بسيطاً أو يقصر ولو قليلاً ..
يتوقف الحب مباشرةً .
وكِلا النوعين من الحب النرجسي والحقيقي فيهما عطاء..
ولكن الحب الحقيقي عطاءٌ دائم ومستمر هدفه مصلحة المحبوب ..
تماماً كما تفعل الأم مع طفلها . فحب الأم في تسميته كالشجرة . .
تغرس من عود ضعيف ثم لا تزال به الفصول و آثارها و لا تزال تتمكن بجذورها وتمتد بفروعها حتى تكتمل شجرة بعد أن تفني عِداد أوراقها ليالي وأيام .
وفي الثاني أيضاً عطاء ..ولكنه عطاٌ مشروط بجملة من الشروط ..
حبٌ فيه يتوقف المحب عن العطاء بمجرد توقف المحبوب عن الرد ..
حبٌ يدور حول ذات المحب وليس حول ذات المحبوب ..
حبٌ يجعل المحب يصدر كشف الحساب فوراً ودون تردد ..
ويريه كم ضحى من أجله ..
وكم أعطاه وكم حرم نفسه من النعيم من أجله ..
حبٌ يظهر كشفاً طويلاً من العطاء كما يُظهر كماً كبيراً من الجحود من قِبلِ المحبوب ..
حيث يعتمد عل إظهار المن في العطاء من المحب والجحود من المحبوب . فحين يقو الأب لابنه حين يشعر بأنه أخفق في ما يرجوه منه:
ألا تذكر ما فعلته لك ؟
ألا تذكر أني حرمتُ نفسي من كثير من المزايا في سبيل تأمين ما تريده ؟ ألم أعطك من وقتي وعمري ؟ يا حسرتى على عمري وتربتي لك لو ربيتُ قطةً لكانت خيراً منك . .
على سبيل المنّ .. وينشر ذلك .. ويتحسر على إحسانه لابنه . ويدعو عليه بدل الدعاء له .. فقد نرجس حبه لإبنه.. وهذا قليل في الآباء.. نتيجة تربيتهم على النرجسية في العلاقات ..
ففي الغالب حب الآباء لأبنائهم حب حقيقي ..
لا ينتظرون منه مقابلاً..
فإن كنا كذلك( الحب الصادق) في علاقتنا بأبنائنا .. وأسقيناهم ماء الحب العذب .. حتى تروّت به فروعهم واخضرت به أرضهم ..
فسوف نكون نحن الآباء أسعد الناس .. بهم وبحبهم..
وقد جعل الله العلاقات الأسرية بين الآباء وأبنائهم علاقات تكاملية .. أي أخذ وعطاء.. وكلما كان العطاء كبيراً أثمر مقابلا ً..
ونحن ذكرنا أن من سنن الله الكونية القدرية أن العطاء سبب للحب ..
إلا ما كان نشازاً .. فهنا نقول أن فلاناً جاحداً ولئيماً وكافراً بالنعمة ..
فحين أوجب على الوالدين الإحسان إلى الأبناء .. وإشباع حاجاتهم الضرورية ..جسمية كانت أم نفسية ..
في طفولتهم وفترة ضعفهم ..
وإغراقهم بالعاطفة الصادقة بل وأوجد في قلوبهم من الحب والحنان مالا يحتاجان معه للوصية بالولد ..
كل هذا كان إعداداً للصغار لتحمل مسؤوليتهم تجاه آبائهم .. عندما ينعكس الوضع ..
ويصبح القوي ضعيفاً ..والمعطي ينتظر العطاء .. والمحسن يطلب الإحسان ..
فيستوجب هنا على الأبناء أن يقوموا بدورهم .. ويردوا الدين المستحق عليهم .. تجاه هذه القلوب الرقيقة ..
التي أفنت شبابها .. وضحت براحتها لترى من فلذة كبدها ..نموذجاً تشرأبُّ الأنظار إليه ..
وقدوة لغيره .. يغبطون عليه..
لو تأملنا قليلاً كلمة...
(أحب) ..
وجدنا أنها فعل..
أي أن تلك المشاعر التي يشعر بها الناس وتؤلف بين قلوبهم ..
هي نتيجة أفعال تحدث فتقوي الروابط وتحرك المشاعر صعودًا وهبوطًا مع كم وكيف تلك الأفعال..
بناء على ذلك فإن شعور الأبناء بالحب تجاه والديهم ليس فيضًا يأتي فجأة..
بل هو شعور ينبع في قلب الوليد من لحظة ولادته ..
إذ لا يجد الحنان والرحمة والإشباع لحاجاته من أمان ودفء إلا في هذا الحضن الجميل الدافئ حضن الأم والأب..
ثم يكبر ويستقل قليلاً فتأخذ بيده الأم ليمشي ..
وتحكي له الحكايات لينام وتوقظه على ضحكه بهدوء وصوت حنون؛ لتقدم له طعامه وتنظم له يومه..
ولكن: كيف نستثمر وننمي تلك المشاعر ونفعلها لتكون في حيز التصرفات برًا دائمًا لا يتغير ولا ينقص بخروج الطفل
إلى العالم الخارجي واختلاطه بغير أسرته؟ إذ ربما تحول حب الوالدين لولدهما لتدليل يفسده، وربما كان بالتوجيه
الخطوة إلى إفراز جيل جديد يعطي للمشاعر والأحاسيس والحب مكانها في ذلك العصر المشحون بالتوتر
ولنا في هدي رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم)..
القدوة والأسوة الحسنة في التودد وإظهار الحب والعطف والاهتمام بكل من حوله..
وكذلك الأطفال على الرغم من تحمله أعباء ومسئوليات جسام، فقد كان ينادي فاطمة الزهراء ( بأم أبيها ) ويقوم
ليجلسها على ثوبه إذا دخلت عليه ثم يقبلها في جبينها.
أما الزهراء (رضي الله عنها) ..
فكانت وهي ذات السنوات التي تعد على أصابع اليدين تخترق الجموع القرشية الكافرة في شجاعة وحب لتزيل عن كتف
أبيها الأذى الذي وضعوه عليه وهو ساجدًا في صلاته… فالحب واللين والرحمة مع الابن لم ينقص من هيبة الأب، ولم يقلل
من احترامه في نظر ابنه، وإنما الحب كالعدوى التي تنتشر سريعًا...
ولأن الخالق سبحانه أعلم بما يصلح خلقه .. وبما يحتاجونه ويناسب فطرتهم ..
أتى الترغيب والحث على حسن معاملة الآباء .. والتودد إليهم .. والبر بهم ..والإحسان إليهم..
في حين لم يوصي الآباء بأبنائهم ..إلا من جهة التربية الدينية ..
دليل أنه قد أوجد في قلوبهم من الرحمة والمحبة مالا يحتاجون معه إلى وصية ..
ألا شواذاً واستثناء من بعض الآباء الذين نشئوا في بيئة مضطربة أخلَّت بفطرتهم التي خلقوا عليها..
نتيجة حرمان عاطفي أو خطأ تربوي..قد يدفع أبناؤهم ثمنه غالياً..
ومن ثم ينعكس عليهم حينما يبدأ دور الأبناء بالعطاء..
ولنعود أبناءنا على نشر الحب و بث حديثه ..وإذكاء رائحته في من حولهم..
لا بد من جهد متواصل من الوالدين ليكونوا هم أسعد الناس بهم..
الحب الأسري.. برنامج عملي
لو أردنا التطبيق بشكل عملي فليتعاون كل الوالدين على إشعار الطفل بشكل غير مباشر بهذه المعاني وتدريبه على ممارستها
و يمكن للأم أن تعلم طفلها فضل أبيه عليه:
1- من خلال القصص والحكايات والسرد لدور الأب المهم في حياة أبنائه.
2- تتفق معه على برنامج يعده لاستقبال والده والتَّرحيبْ به عند عودته من العمل وعند الطعام وفي يوم الإجازة..
فيتفقان مثلاً على نشيد جميل أو هتاف سعيد للاستقبال ثم احتضان الأب وتقبيل جبينه ويده والمساعدة في تغيير ملابسه ومناولته ما يحتاجه كالحذاء أو المنشفة مثلاً ريثما تعد الأم الطعام..
3- كما تدربه على ضرورة المحافظة وعدم نسيان تحيات الصباح عند الاستيقاظ وعند النوم مع إعطائها القدر اللازم من الحرارة والمشاعر الصادقة، ويمكن أن تبادر هي بذلك بداية لتصبح عادة عند الطفل..
وكذلك الأب يخطط مع الطفل لخطط يسعد بها الأم والإخوة:
1- إحضار هدية أو ورد أو ترتيب الحجرة أو كتابة كلمة رقيقة أو رسم جميل يقوم بتلوينه وتقديمه لها.
2- هدية يقوم بصناعتها يدويًا أو مجسمات ذات أشكال ودلالات مختلفة.
استثمار المناسبات السعيدة
نعم يمكن للأبوين أن يحققا ذلك بتكبير الابن في الأعياد والمناسبات المختلفة كبداية العام الدراسي والعام الهجري
وحلول رمضان وشهور البركة والفضل… الخ، .. (مع تعريفه أن ذلك واجب اجتماعي وليس واجباً دينياً..)
وذلك ليقوم بتهنئة كل من يحب ويدعو لهم في تلك المناسبات.
وهكذا يمكن أن تتسع الدائرة ليتعاون هذا الفريق المكون من الأب والأم والأطفال في تنفيذ خطط أخرى لإسعاد الجد
والجدة والجيران بتهنئة حارة في مناسبة بإحضار هدية جميلة معبرة مع بسمة رقيقة دائمة تنير الوجه..
ولا شك أن الصغير سيسعد بكونه عضوًا بارزًا في هذه التنظيمات ذات الأهداف النبيلة..
كما سيسعد جدًا بالمناسبات التي تظهر عبقريته في حبه ومشاعره وتستفز طاقاته لإشعار من حوله بما يكن تجاههم
من مشاعر جميلة، وستكون كل مناسبة فرصة لإعادة الحيوية والشباب لعواطف الأسرة والمحيطين بها.
إنها ثقافة الحب التي من شأنها إفراز جيل يعطي للمشاعر والأحاسيس والحب تقديرها اللائق ومكانها ونصيبها في ذلك
العصر المشحون بالتوتر..
إنه بر الوالدين الذي يرحم الله الآباء الذين يعلمون أولادهم صلة الرحم وحسن التواصل الأسري .. التي غابت عن حياتنا حقاً إلا من رحم الله ..
فرحم الله والدا أعان ولده على بره...
في حين بعض الآباء نتيجة خلل ما ..أو ابتلاء من الله للابن ..
يفرضون على أبنائهم أراء معينة ويتعنتون فيها ..
أو هيمنة وسلطة شديدة فلا يتصرفون في حياتهم إلا بموافقتهم ويتدخلون في كل صغيرة وكبيرة في حياة ابنهم ..
ولا يعطونهم استقلالية أو حرية تصرف..
بل وقد يفرضون عليهم ما يرونه الأصلح لهم حتى في حياتهم الخاصة ..
وبالذات من بعض الأمهات ..حيث قد تنافس زوجته في الاستئثار به .. بل وقد تغار منها لدرجة العداوة ..
مما قد يجر الزوجة أيضاً لممارسة نفس الدور ..لتفوز هي الأخرى بقلب ذلك المعنى..
مما يوقع الابن في حرج شديد بين أمه وزوجته ..
ومما لا شك فيه أن الدافع لذلك هو الحب ..
ولكنه انحرف عن طريقه الصحيح ..ليصبح حب تملك ..دافعه الخوف من فقد الحبيب..
ولو تعمقنا في المسألة لرأينا للجهل دوراً مهماً في هذا السلوك ..
بالإضافة لما يحصل غالباً من انصراف الولد عن أهله بعد زواجه .. واعتبارهم أصبحوا أبعد مما كانوا ..
بل إن بعض النساء تشعر أهله بأنهم ضيوف في بيته .. وتشعره بأنه ضيف لديهم..
فلم يعد ذلك الحبيب المحب الذي يصول في البيت ويجول ..
ولم يعودوا أولئك أهل البيت الذين يتبارون في وضع لمساتهم على بيته ليجتمع فيه بأنسه..
لو دققنا جيداً لرأينا للمرأة دوراً مهماً في استقرار الرجل من عدمه ..أماً .. وزوجة .. فكلتاهما ..تسعى لجذبه بكل ما تستطيع .. والغريب أن إحداهما مشرّقة والأخرى مغرّبة..
إذن ما هي النتيجة يا ترى ؟؟
النتيجة لا تخلو من احتمالات ثلاثة:
1- أن تفوز به الأم .. مع ألم نفسي وتشتت عائلي..
2- أن تفوز به الزوجة .. مع شعور بالذنب وعقوق ومعصية للرب..
3- أن يتمزق عاطفياً بينهما .. مع عدم حيازة إحداهما له..
في الحالات الثلاث لن يكون أي منهم سعيداً..
فكيف يكون الإنسان سعيداً وهو يشعر بتسببه بتعاسة غيره ..وشقائه .
ونحن قلنا بأن السعادة فعل انعكاسي ..بقدر سعادة من حولك . تغمرك السعادة..
وقد يتساءل أحدهم ما لذي يجب علي عمله لو ابتليت بهذا ..؟
أو تتساءل إحداهن ماذا لو ابتليت بأم زوج كتلك..؟
نقول في حال كون آباءنا محسنين ومتفاهمين وعلى درجة من الوعي والإدراك .. وبذل المعروف والتغاضي عن هفوات الأبناء ومن يحبون ..
فلا إشكال في كون الولد يبرهم ويحسن إليهم فما على المحسنين من سبيل ..
( ولا يغب عن أذهاننا أن الآباء سابقي الإحسان لأبنائهم )
إن أولى الخلق بإحساننا وحسن تعاملنا هم والدينا..بل يأتي حقهم بعد حق الله تعالى .. ولا يقبل العقل أن يكون الشخص ذا خلق وإحسان ثم لا يوفره لأهل الفضل عليه .. وأولياء نعمته ..
بل وليكن معلوماً لدينا أن من لم يحسن لهم مع سابق فضلهم وحقهم ..
فهو لحق ما سواهم أضيع وأجحد..
ومهما كان سلوك الوالدين فليس عذراً أن نسيء معاملتهما أو التقصير في حقهما ..
فالحل في نظري هو إرضاؤهما وإغراقهما بالحب والعطايا..
ولن يعدم محسناً ..إحساناً وحباً,,
فمهما كان تعاملهما معنا فالحقيقة التي لا تقبل الإنكار أو التزييف أنهما صادقين في محبتهما لنا والسعي لطلب
ما يصلح لنا ويصلحنا..وإن لم يصيبا في طريقتهما فالقصد منهما الخير والإحسان إلينا بكل حال..
إذا علم هذا فليكن أسعد الخلق بحبك هما..
وبالذات عند كبرهما..
ولنتأمل قوله تعالى:
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } 23 {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }الإسراء24
وبالذات قوله:
[فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ]
ولنحاول التدقيق في الألفاظ جيداً ..
لا تقل لهما أف.. كلمة تضجر ..تشعرهما بتضجرك منهما .. انظروا الى روعة الإسلام ..
حفاظاً على مشاعرهما وعدم جرحها يقول لنا : لا تشعرهما بأدنى تضجر ..وأقل كلمة تضجر هي أف..
ولا تنهرهما: لا تعلي صوتك عليهما بما يؤثر فيهما مهما عملا..
وقل لهما قولاً كريماً:
اقرأ في القواميس والمعاجم الأقوال الكريمة وقلها لهما وكررها عليهما..
ثم لنتأمل هذه الآية وما تحتويه من كل معاني الحب الرقيق المغطى بالرحمة وخفض الجناح..
{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }
فقد ذكر الله لنا هنا سبب رحمتك بهما وخفضك للجناح من الذل بأنه إحسانهما لك عندما كنت صغيراً..
إذاً كل ذلك ردٌ لجميلهما وإحسانهما إليك في صغرك..
أوليس بعد ذلك من الواجب علينا غمرهما بالحب والرعاية الحنونة المحسنة..
ثم أليسوا أهلاً لتجاوز الزلات والهفوات..
أخي .. أخيتي ..
إن لم نغمر والدينا بالحب والإحسان فنحن لن نستطيع بذله لغيرهم ..
حتى وإن بدا ذلك فهو حب مصلحة وليس حباً حقيقياً..
هنيئاً لمن غمر دنياه ودنيا من يحب بل ومن يعاشر وجالس بحسن الخلق وكريم الأخلاق ..
هنيئاً له بمجالسة النبي صلى الله عليه وسلم..
حيث روي عنه : ( إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً..)
ثم لنوسع الدائرة قليلاً ..في حسن الخلق والمعاملة مع نختلط به ونشاركه في سكن أو عمل أو سفر ..
فهناك نوع من الناس يجبرك علي أن تشرع لهم أبواب قلبك ليدخلوه رغم أنفك..
هؤلاء يعجبك فيهم أشياء كثيرة تحتار أيها جذبك... وأيها شدك...
فلننظر إلي بعض ما يستلب القلوب ..
فهذه سهام لصيد القلوب، وهي فضائل تُستعْطَف بها القلوبُ، وتُستر بها العيوب، وتستقال بها العثرات..
1ـ الإخلاص لله تعالي: فمتي استحكمت في نفس العبد مخافة الله ومحبته وصحبته .. جعل الله في قلبه نورًا وفي وجه نورا وجعل له في قلوب العباد محبة وهبة.
2ـ حسن الخلق، فهو من أهم أسباب كسب قلوب الآخرين، لأن الأخلاق هي الجمال الحقيقي فقد روي عنه عليه الصلاة والسلام "أحب عباد الله إلي الله أحسنهم خلقًا.
3ـ إفشاء السلام ورد التحية بأحسن منها مفتاح القلوب.
قد يمكن الناس دهرا ليس بينهم رد فيزرعه التسليم واللطف.
وقوله عليه الصلاة والسلام، ألا أدلكم علي شيء إن فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم.
الابتسامة الصادقة فمع قلة تكلفتها إلا أنها تفعل الأعاجيب يقول النبي صلي الله عليه وسلم : لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقي أخاك بوجه طليق.
5ـ التسامح والعفو فالعاقل من تجاوز عن هفوات الآخرين وتناسي أخطاءهم وغض طرفه عن زلتهم فلا تدفع الإنسان
هفوة بدرت من أخيه مقاطعته بل نستحضر محاسنه لتشفع له عندها ونتعيش قول الحق تبارك وتعالي:
(والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين. )
6ـ التواضع فهو يحرك انطباعا قويا ومؤثرا في نفوس الآخرين فقد قال عيه الصلاة والسلام : ( لا يدخل الجنة من كان