الرزق الخفي
نشأ أبو أحمد في بيت ميسور الحال , وأكمل تعليمه وأصبح معلماً في مدرسة القرية ، ولم يعانِ كثيراً من ضنك العيش وقسوة الحياة ، فقد اعتاد أبوه الحاج متعب ان يُعيله مع أسرته إلى أن توفي , هنا آلت الأمور إلى أبي أحمد , الذي لم يعتد على تحمل المسؤولية كاملة سابقاً , وأخذت أموره المالية يوماً تتدهور يوماً بعد يوم , في فترة الحصار الظالم على العراق في التسعينات من القرن الماضي ، وأصبح راتبه الشهري الذي يتقاضاه من التعليم لا يسد ثمن حذائه ولم يعد يستطع سد احتياج عائلته , وأخذت وضيفته في التعليم كمعلم عبئ آخر يضاف إلى أعبائه لأنه يقضي نصف اليوم في المدرسة ولا يستطيع ان يعمل عملاً آخر مما اضطره مع زوجته وأطفاله الصغار أن يعملوا في أرضه الزراعية التي ورثها عن أبيه وأخذ يزرع المحاصيل الزراعية ولكنها لا تفي باحتياج أسرته , ولكن أبا أحمد لايملك ثمن حراثة الأرض , او البذور , او الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية ولا يعرف كيف يقوم بتوفير تلك الأموال , الأرض الزراعية .
قال لزوجته سأذهب إلى أبي محمد لغرض استدانة بعض المال منه لعله يفي بشراء ثمن البذور لأرضنا, وبعد ان ذهب إليه رفض إقراضه المبلغ الذي رغب به أبو أحمد, وعاد وهو مهموم كيف سيوفر البذور للأرض والزراعة على الأبواب .
قام بشراء ماكنة ماء جديدة استدانها من أحد الأشخاص على أن يؤدي أبو أحمد ثمنها في نهاية الموسم الزراعي, فأعترضت عليه زوجته التي كانت دائماً ما تعترض عليه ولازالت تتعرض على الكثير من أعماله التي يقوم بها, فقال ان ماكنة الماء القديمة أصبحت لا تفي بسقي الأرض ألا تذكري في المواسم الماضي كيف أنها لم تعمل وبعد ان حاولت تشغيلها عن طريق (هندر) حتى كاد ان يغمى عليَّ من الإرهاق , وكيف غضبتُ عليها وقمتُ بصب البنزين عليها وقمت بإحراقها وكيف قمت أنت والأولاد بإطفاء النار وذلك بنثر الرمل عليها حتى تمَّ إطفائها ، وبعد ان ذهب عني الغضب , وهدئ روعي ندمت على مافعلت وقمت إلى ماكنة الماء وقمت باستبدال خراطيم الماء والوقود البلاستيكية بأخرى جديدة لأنها أصبحت ليست صالحة وقمت بتشغيلها فاشتغلت من فورها ، وهو يضحك من فعلته تلك ويقول خافت مني ان أقوم بإحراقها من جديد ، ياأم أحمد الله كريم الله ما يدع حمل مطروح حاشاه ، ولكن أم أحمد كثيراً ماتجزع وتحمل الأمر أكثر مما يحتمل شفقة ورحمة على زوجها وعيالها .
جاءه أحد الأشخاص لغرض شراء ماكنة الماء القديمة قال أبو احمد للمشتري : إني لا أريد ان أغشك إن فيها عيباً كذا وكذا .....
فقال المشتري : أنا ارض بذلك , فقال أبو احمد : سأقوم بشراء مستلزمات الزراعة لأرضي من أسمدة ومبيدات وبذور , وسوف أتصرف بالمال ، فإذا أخذتها ليس لك نقود عندي ، فقبل الرجل شرط أبي أحمد وبعد أن أخذها إلى البيت رفض والده هذا الشراء ، وعاد إلى أبي أحمد وهو يعتذر منه ويريد أن يعيد له ماكنة الماء .
فقال له أبو أحمد : ليس من حقك إعادتها فقد أخللت بشرط البيع وكذلك كما قلت لك لم يبق من المال شيء لأني تصرفت بها .
قال المشتري : لا أريد النقود الآن وإنما أريدها في نهاية الموسم رده إليّ فقبل أبو احمد بذلك .
وبعد عدة أيام جاءه رجل ثانٍ , لغرض شراء ماكنة ماء منه وابلغه أبو أحمد بعيبها كما فعل من قبل وقبل المشتري الثاني بهذه العيوب ، وقال له أبو أحمد كما قال للرجل الأول , فقبل المشتري بشرط البيع هذا ، وبعد ذهابه إلى بيته رفض أخوه الأكبر شراء ماكنة الماء لأنها غير صالحة ، جاء بعد عدة أيام لغرض إعادتها وهو يعتذر من أبي احمد وكان يتوسل بابي احمد ان يعيد ماكنة الماء مع بقاء ثمنها لأبي أحمد على ان يسدده في نهاية الموسم ، فقيل أبو أحمد بذلك .
استبشر أبو أحمد بهذا العطاء الإلهي له وكيف ان الله ساق إليه المال من هؤلاء الأغنياء الذين رفضوا ان يقرضوه من قبل وها هم اليوم يتوسلون به ان يبقي المال عنده إلى نهاية الموسم ، بعد ان أصمّ الله آذانهم وأعمى أبصارهم ، ورضوا ان يشتروا من أبي أحمد هذه الماكنة ، وان يدفعوا له أموالاً طائلة كي يقوم بزراعة أرضه ويوفر قوت عياله بعد ان منعوا عنه المال من قبل .